لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثمة أزمة ثقة تشوب العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وأن هذه الأزمة محصلة لتراكمات كثيرة تاريخية ومعاصرة بعضها تم بطريق الصدفة والخطأ والآخر وقع عمدًا وبسوء قصد. ولا سبيل إلى تخطي هذه الأزمة إلا بمواجهة أسبابها بأقصى قدر ممكن من الصراحة والشجاعة والحسم؛ فنحن نواجه موقفا يتهدد المسلمين وغير المسلمين والاستسلام له سيقود الجميع إلى قاع أليم والسكوت عليه اشتراك في الجريمة يقترب من التواطؤ، وليس أمامنا إذا أردنا لأنفسنا بقاءً واستمرارًا إلا أن نستجمع القوى ونتشبث بما تبقى من خير وعقل لدى هذه الأمة لنثبت ونقاوم ونمسك بالزمام قبل أن يفلت. وغاية ما يطمح إليه هذا الكتاب أن يسهم مع ما سبقه من كتابات في إضاءة الطريق أمام أبناء هذه الأمة مسلمين وغير مسلمين ليتبينوا بوعي مواضع خطاهم ويلملموا شتاتهم المبعثرة وطاقاتهم المهدورة تكريساً لأواصر المودة والرحمة وانطلاقا نحو مستقبل يسع الجميع يسعد فيه الجميع. في هذا الكتاب يناقش الأستاذ (فهمي هويدي) أبرز القضايا التي يطرحها الفكر العلماني، كما يناقش قضية صلاحية النصوص الشرعية للتطبيق في كل زمان ومكان، والقضية التي تعد أكبر موضع فيه خلاف بين الإسلاميين والعلمانيين، وهي قضية فصل الدين عن السياسة، كما يشير إلى أنه هناك بعض رواد العلمانيين يبحثون في كتب التاريخ عن السلبيات فقط.
إننا حينما اتخذنا موقفًا يرفض التطرف الديني بكل صوره واتجاهاته، فأحسب أن التطرف العلماني جدير بأن يلقَي نصيبه من الرفض والإدانة؛ ذلك أن جرثومة الغلوّ عندما تصيب جسد الأمة فإنها لا تستهدف فريقًا دون الأخر، وإنما تجر معها الداء في كل اتجاه، باعتبار أن المشكلة ليست في الغلوّ القائم في كل فكر، ولكن في التربية الصالحة لاستقباله ونموه، في مراحل تاريخية بذاتها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن تنظيمات متطرفة مثل (التكفير والجهاد) لا تصبح مقصورة على الإسلاميين وحدهم، وإنما أزعم أن بين العلمانيين تنظيمات مماثلة. الفرق بين الإثنين، أن الأولين شباب مندفع سلك طريقه على سبيل الخطأ، وأن الآخرين شيوخ مجربون اتخذوا مواقعهم عمدًا ومع سبق الإصرار والترصد. ونحن نرى أن هناك من هؤلاء العلمانيين مَنْ فرغ جهده ونذر نفسه للنيل من الشريعة، وتسفيه التجربة الإسلامية.
إن بعض هؤلاء يريد منا تغيير فلسفتنا الإسلامية واستبدالها بالفلسفة الغربية؛ لأن فلسفتنا الإسلامية لا تعجب الكتَّاب المستشرقين. إن ما يقوله هؤلاء ليس بالضرورة تعبيرًا عن رأي كل العلمانيين، فهناك فرق بين دعوات الفصل بين الدين والدولة، أو التمييز بينهما، أو المطالبة بأن يكون الحكم مدنيًا وليس دينيًا، وبين تجاوز ذلك الإطار للطعن في الشريعة والنيل منها، وتجريح التاريخ الإسلامي. الفريق الأول – المعتدل – يريد أن يقيم البناء على نمط يفضله، بينما المتطرفون يريدون أن يهدموا أيضًا أبنية الآخرين. إن ذلك الأسلوب في مواجهة التيار الإسلامي، لا يُقَوِّمُ عَوَجًا، ولا يرشد تطرفًا، ولا يفتح الباب للحوار؛ إذ إن منهج ذلك الفريق من العلمانيين يستثير الضمير المسلم، المتطرف منه والمعتدل، خاصة إذا استشعر الإسلاميون أن الشريعة هي المستهدفة، وليس التطرف الديني وحده.
البعض يُفَضِّلُ البحث في النفايات والقمامة. وإن تأذى البعض من العبارة، فأرجو أن يعثر أي واحد منصف على وصف آخر يناسب قومًا انتسبوا إلى العلم، وكرسوا جهودهم من أجل تقديم الإسلام في أتعس صورة، لا يقرءون إلا صفحاته القاتمة السوداء، ولا يدخلون إليه إلا من أبواب عصور الانحطاط، ولا يستوقفهم في رحلته الطويلة والعريضة، إلا كل ما هو مكذوب، أو ممسوخ، ولا يستدلون إلا بالاعوجاج والنقيصة، وبأكثر المواقف شذوذًا وانحرافًا. أحدهم استكثر على الأمة أن يكون لها سلف صالح؛ فكتب مقالًا كان مرجعه الوحيد فيه هو مختلف صناديق القمامة في التاريخ الإسلامي، أفادنا بأن (سعد بن أبي وقاص) – خامس السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقائد جيوش المسلمين في فتح (فارس) – لم يكن يحسن الصلاة! والأغرب من ذلك أنه يقول إنه يشعر بالفرح عندما يعثر في كتب التاريخ على ما يدل على أنهم بشر مثلنا، لهم ضعفهم وأخطاؤهم، وأنهم ليسو بالمثالية أو النورانية التي يحاول البعض أن يحيطهم بها.
والحقيقة أنها ليست اجتهادات لبعض الأفراد، يجانبها التوفيق فيما تبدأ به وتنتهي إليه، لكنها مدرسة في البحث، اختارت الإسلام موضوعًا لها، وشُغِلَت بتجريح تعاليمه وتاريخه، وإهالة التراب على كل ما هو إيجابي ومشرق فيه، مستمدة هذه الأفكار بالدرجة الأولى من مقولات وشبهات بعض المستشرقين التي تصدى لها عدد من فقهائنا. رواد مدرسة البحث في النفايات والقمامة، هم أنفسهم رواد تنظيم التطرف العلماني، الذي أشرنا إليه وعرضنا جانبًا من آراءه ومخططاته. إن رواد التطرف العلماني يعالجون واقع الحركة الإسلامية المعاصرة بنفس المنطق والأسلوب؛ هم يتصيدون النقائص والشذوذ، ولا يحتجون إلا بفكر الغلو الذي تنكره الأغلبية الساحقة من المنتمين للتيار الإسلامي ذاته.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان